الجمعة، 10 ديسمبر 2010

المكلا ونظافة الصندوق!


كتابة وتصوير: صالح حسين الفردي9/12/2010

المكلا ونظافة الصندوق!
سِيف حميد النوابغ:
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة وعشر دقائق ظهراً، عندما تجاوزت شاحنة مشروع نظافة مدينة المكلا البرتقالية اللون حافلة الركاب التي كنت أركبها، عند منحنى (سِيف حميد) الشاطئ الرملي الذي شهدت ذرات ترابه اكتشاف نوابغ كرة القدم المكلاوية، وكان ميداناً كبيراً لبروز أسطورة الكرة الحضرمية الراحل طاهر حاج باسعد (ابن حي الشهيد خالد).


المكلا ونظافة الصندوق!
أيادٍ شريفة في صندوق غير نظيف:
ترجلت من الحافلة وأطلقت العنان لعدسة الكاميرا، لترصد لحظة التنظيف التي يقوم بها فتية من بسطاء الناس بكل همّة ونشاط، وهم يستخدمون أياديهم وسواعدهم الشريفة مزودين بخرق بالية لـ(صوراين حضرمية) مشققة، ومع كل هذا العناء وقلّة الإمكانيات إلا أنهم انكبوا بجدية وحرص على ملء هذه الفوط بمخالفات المنازل لسكبها في اسطوانة الحافلة الراقدة بجوارهم، مشاهد لم تغب عن ذاكرتي حتى اللحظة، إذ أن هؤلاء الشباب الذين يعملون على إزالة المكبات والمخلفات النتنة والكريهة دون واق يحميهم من (خلطة) القاذورات المحللة بهجير الشمس المكلاوية اللافحة، دفعني للكتابة أكثر من مرة، ولن نكل من الكتابة عنهم حتى يسمع ويعي من في قلبه صمم ومرض، والحال كذلك، فمن الغبن والجرم والتعدي على كرامة وحقوق هؤلاء العمال الأفذاذ الذين تستغل حاجتهم ومعاناتهم المعيشية ليعملوا بعيداً عن أبسط الحقوق الإنسانية التي يجب تعطى لهم، فهم شريحة لا صوت لها برغم دورهم الحياتي والعملي المهم والخطير الذي وهبوا أنفسهم له دون تردد أو خوف أو خجل.

المكلا ونظافة الصندوق!
صندوق في غي مستمر:
هذه البداية، وضعتني أمام حقائق كثيرة يرتكبها صندوق نظافة مدينة المكلا خاصة، وحضرموت عامة، فهو مازال سادراً في غيه المهني والعملي، ففي الوقت الذي تعمد كل مدن العالم على تشغيل ميكنة النظافة في فترات المساء وبعد الثانية عشرة، نجد هذا الصندوق المغلق على أسرارهم وما أكثرها في السوق، يرمي بهذه الشريحة البائسة للعمل تحت أسوى الظروف وانعدام الإمكانيات وعند اشتداد حرارة الشمس، متسبباً في أمراض لا حصر لها لهؤلاء الفتيان، وبثمن شهري بخس، في حين يركب مسئولوه السيارات الفارهة ويحصدون الامتيازات والحوافز والبدلات وتعدد المهام والوظائف والمسؤوليات، فعامل النظافة لا يحصل إلا على بدلة واحدة في العام وعليه أن يتصرف بعد خروجها عن الخدمة. وبرغم عرقلة حافلات النظافة لحركة المرور والسير في الشوارع الرئيسية عند شارقة كل صباح جديد إلا أن الجميع مستمر في الدفع بهؤلاء إلى العمل النهاري دون رحمة أو شفقة.

المكلا ونظافة الصندوق!
صندوق مالي يخترع صندوق زبالة:
وإذا توقفنا قليلاً عند صيد الكاميرا، ندرك مدى غياب التفكير العملي والمهني والجمالي لحل مشكلات النظافة في مدينة السحر والبحر والجمال عاصمة حضرموت، المكلا، فآخر ما تفتق عن عبقرية مخططي الصندوق لمعالجة جمع مخلفات البيوت والقامة، تلك الغرف الأسمنتية (متر في متر) التي بنيت على طوال (سيف حميد) الذي يشكل لوحة جمالية غاية في الروعة والبهاء لظهر المدينة الحاني عليها من غدر الخبثاء ومدعي الوطنية، كتل أسمنتية تسد مسامات طريق المشاة والعابرين والمتأملين لهذا المشهد الرباني الأخاذ، فأي عبقرية ولدت لدى أهل الصندوق لغرس هذه الكتل الخرسانية (السبع) الدائمة، ابتداءً من مسجد (جامع البلاد) حتى مسجد (الغالبي) لتصبح مرتعاً أبدياً لبقايا الأطعمة والقاذورات، وتلتهمها الأغنام، وتحللها الشمس إلى هواء مؤكسد خطير التأثير على الأطفال الذين يمارسون فضولهم الطفولي بين حين وآخر، في خطوة تراجعية تجاوزها الزمن والتكنولوجيا والتقنية واستغلال الموارد وتوظيفها لجلب الأدوات النافعة لمثل هذه المشروعات المهمة في حياة المجتمع، ففي كل بلاد الدنيا، صارت (براميل القامة) يتفنن بها وتصنع بما لا يتعارض مع خصوصية هذه المدينة أو تلك، ويتم توفيرها في المواضع والأمكنة ليسهل على المواطن الوصول إليها وترك مخلفاته بداخلها، لتنتشلها حافلات النقل عند منتصف الليل بسهولة ويسر ومن خلال خطافات الحافلات وبمساعدة العمال الذين يشاهدون في حلل نظيفة، فما تبزغ شمس الصباح إلا وقد ارتدت المدينة حلتها الأنيقة مستقبلة مواطنيها وزوارها برقة ورقي وجمال.

المكلا ونظافة الصندوق!
بقايا ضمير:
ونحن هنا نتساءل بمرارة ألا تستحق مدينة المكلا مثل هذه الإمكانيات، ألا تستحق المكلا من بنيها الصدق في التعامل والحرص على كيانها ونبضها المواطن؟!، لذلك نضع هذه التساؤلات أمام ضمير المجلس المحلي، إن بقي لهم ضمير نابضاً بحبها وعشقها النبيل، فقد آن الأوان أن يقف أمام هذا العبث الذي يسعى لتلويث المدينة واستغلال الظروف الاقتصادية القاهرة للعمالة اليومية المتعاقدة، ويعمل على محاسبة الذين نفذوا هذه الكتل الأسمنتية وقيمة المناقصة التي بنيت بها، ومن أعطى الإذن بتنفيذها، برغم خطورتها على الصحة العامة وجمال المدينة، أما الصندوق وما أدراك ما الصندوق، وما يجنيه من رسوم فواتير وخلافه، فلن ينتظر منه إلا مثل هذه الغرف الأسمنتية الضيقة التي تؤشر على نوعية العقول التي تديره في المديرية والمحافظة.. أللهم إني بلغت أللهم فاشهد. وكفى!.

المكلا ونظافة الصندوق!
المكلا ونظافة الصندوق!

المكلا ونظافة الصندوق!

المكلا ونظافة الصندوق!

المكلا ونظافة الصندوق!

المكلا ونظافة الصندوق!

---------------------------------------------------------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق