الأحد، 5 يونيو 2011

آن الأوان حقا للجان الشعبية

9295e1db-627c-44a8-9913-bc151275acf9.jpg
اشتدت حبال الأزمة , وازداد الكرب , واحلولك الظلام , وفي ظلمة الليل البهيم تخرج الخفافيش من كهوفها , لتلطم من كان غافلا , وتنسل العقارب والحيات من جحورها لتلدغ من كان واقفا , وفي مثل هذه الظروف لا بد من اليقظة والانتباه , ولا مناص من التعاون والتكاتف , وإلا فهي الخسارة العامة , والفداحة التامة , والحسرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع .

لقد كانت فكرة اللجان الشعبية والحراسات الليلية فكرة عاقلة ذكية عطلت خطط المفسدين , وأوقفت تخريب المخربين , وجلبت الأمن والأمان للخائفين , وتكفلت بضمانة العيش للمعوزين . أمَّنت الأنفس وحمت الأعراض وحفظت الأموال , وتلك دون شك من أعظم الغايات الدينية , وأهم الأهداف الدنيوية , وحسبك بهذا دليلا على فضلها , وكفاك به برهانا على أهميتها , فضلا عن عمومات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر بالتعاون والتآزر بين المسلمين .
قال الله عز وجل في كتابه العزيز: (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) [المائدة : 2] . أمر الله عز وجل في هذه الآية بالتعاون على البر والتقوى , والتعاون تفاعل والمعاونة مفاعلة والمفاعلة لا تكون إلا من اثنين أو أكثر أو بين طرفين أو أكثر, فالتعاون تفاعل من أطراف مختلفة من أجل أن يعين كل واحد منهم الآخر . والبر هو فعل الخير للنفس والمجتمع , والتقوى هي ترك ما هو شر على النفس أو المجتمع . ولا شك أن اللجان الشعبية من أعظم وسائل التعاون على البر والتقوى , وأن الحراسات الليلية من أبرز مظاهره . ونهى الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان , والإثم هو المعصية والذنب القاصر على النفس , والعدوان هو التعدي على الآخرين , ولا يجوز لمسلم بحال من الأحوال أن يعين أحدا على الإثم والمعاصي , ولا أن يعينه على الاعتداء على الآخرين , فالإعانة على الإثم والعدوان ليست من شأن أهل التقوى والإيمان, وإنما هي من خصال أهل النفاق والعصيان .
وفي الحديث عن أبي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ) رواه البخاري ومسلم . ففي هذا الحديث شبه النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمنين في تماسكهم وتعاونهم باللبنات التي يرص بعضها فوق بعض , وتوضع بينها المادة التي تشد اللبنة إلى أختها من طين أو جص أو غيره , فتقوي اللبنة اللبنة , وتشد الواحدة الأخرى ليكون بسبب ذلك الجدار الصلب والبنيان المرصوص , وهذا هو المطلوب من المسلمين , أن يكونوا متماسكين متآزرين متعاونين فيما بينهم حتى يكونوا جدارا صلبا أمام كل المخربين . ولولا هذا التآزر والتعاون والتلاحم لكانوا كالتراب المتناثر الذي تذروه الرياح , أو لبنات هشة تتحطم بأيدي العابثين.
وعن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم .
هذا حديث آخر يشبه فيه الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم بالجسد , والأفراد بأعضاء ذلك الجسد , الأعضاء المتماسكة المتناغمة التي يتأثر بعضها بتأثر الآخر , ويتألم بتألمه , فإذا أصيب عضو من الأعضاء بمرض سرت الحمى في في سائر الأعضاء , وكان السهر للجسد كله , وهكذا ينبغي أن يكون أفراد المجتمع المسلم , يشعر بعضهم بألم بعض , ويعين بعضهم بعضا , ويتلاحمون فيما بينهم حتى يكونوا كالجسد الواحد . ما أحسن هذه التعابير ! وما أعظم هذا الدين وما أعظم تعاليمه ! ولكننا معشر المسلمين ربما نكون في بعد عن التطبيق والعمل .
ولا ننسى أن نذكر بأن للحراس من أجل حفظ الأنفس والأعراض ولأموال نصيبا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ من خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبِيلِ اللَّهِ ) رواه الترمذي . فالفضل العظيم لأهل الجهاد والرباط في سبيل الله عز وجل . ولكن سبيل الله أوسع وفضله أعم , فلن يعدم حراس المسلمين من الأجر والمثوبة ؛ لأن ذلك مما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى .
والحراسة من أجل المسلمين نوع من الرباط بمعناه العام الذي هو حبس النفس في سبيل الله , فمن حسنت نيته في هذه الحراسة فله أجر عظيم بإذن الله عز وجل فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أَدُلُّكُمْ على ما يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ ) قالوا : بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ , قال : (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ على الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) رواه مسلم . فإذا كان حبس النفس انتظارا للصلاة من الرباط في سبيل الله عز وجل فحراسة المسلمين ابتغاء مرضاة الله عز وجل من الرباط في سبيل الله ؛ بل هو أقرب للجهاد والرباط بمعناه الخاص من الصلاة . والرباط بالمعنى الخاص هو ملازمة الثغر الذي يخيف العدو ويخاف المسلمون منه العدو , وذلك شأن آخر غير ما نحن فيه .
آن الأوان حقا للجان الشعبية , وحانت ساعة الصفر صدقا للحراسات الليلية , فقد دق ناقوس الخطر , وضربت الطبول معلنة رمي الشرر . فمتى يصحو النائمون إن لم يكن الآن ؟ ومتى ينتبه الغافلون؟ أفبعد أن يفوت الأوان؟ فحي على اللجان الشعبية , والحراسات الليلية , والتحركات الأهلية . وفق الله الجميع لكل خير .

هناك تعليق واحد:

  1. نشكر الشيخ صالح بن محمد باكرمان المشرف العام على مؤسسة الفتية الإعلامية ورئيس مؤسسة الفجر الخيرية على هذه المقولة الطيبة وبارك الله فيه

    ردحذف